جائزة سرد الذهب - القائمة القصيرة

الرحلة إلى جبل قاف

محمد سعيد احجيوج

مجموعة قصصية • 2024

الكاتب محمد سعيد احجيوج

صورة المؤلف محمد سعيد احجيوج

محمد سعيد احجيوج كاتب مغربي يكتب الرواية، القصة، والنقد. يُعد من أبرز الأصوات الجديدة في الأدب العربي. يتميز أسلوبه بالجرأة في التجريب السردي، والعمق الفكري، والقدرة على توظيف تقنيات السرد الحداثي في سياق عربي أصيل.

يستلهم احجيوج، في مجموعته القصصية الرحلة إلى جبل قاف، من عوالم خورخي لويس بورخيس، فرانز كافكا، وهاروكي موراكامي، دون أن يقلدهم بشكل حرفي بل يوظف تقنياتهم لإنتاج نصوص عربية مبتكرة تعيد قراءة التراث السردي العربي، وخاصة "ألف ليلة وليلة"، بطريقة نقدية وخلاقة.

من أعماله الروائية البارزة: كافكا في طنجة وأحجية إدمون عمران المالح.

"حين نحلم أننا نحلم فهذه بداية اليقظة."

الرحلة إلى جبل قاف

رحلة في متاهات النص، اللغة، والوعي

غلاف كتاب الرحلة إلى جبل قاف

"الرحلة إلى جبل قاف" مجموعة قصصية تجمع تسع قصص تدور جميعها حول محاور أساسية: التلاعب بالتراث السردي العربي (خاصة ألف ليلة وليلة)، الميتافكشن (الكتابة عن الكتابة)، العلاقة المعقدة بين الواقع والخيال والحلم، وأسئلة الهوية والحرية والسلطة.

يستلهم الكاتب عوالم بورخيس وكافكا وموراكامي وبول أوستر، لكنه لا يقلدهم بل يستخدم تقنياتهم لإنتاج نصوص عربية أصيلة. تتناول قصص المجموعة فكرة "الكتاب اللامتناهي" والنص المفتوح، وتعيد بعضها كتابة حكايات ألف ليلة وليلة بطرق جذرية. مع قصة تاريخية تأملية تعود إلى أزمة ابن رشد، وقصتان تتناولان أزمات الهوية والكتابة، بطريقة لافتة تضع سؤال الكتابة على طاولة التشريح والتفكيك.

الشخصية المتكررة "جواد" (في أشكال مختلفة) تربط بعض القصص، وكذلك الاسم المستعار "محمد سعيد احجيوج" الذي يظهر ككاتب ضمني أو صريح. هناك بنية دائرية: المجموعة تفتح بكتاب سحري لا نهائي وتختتم بشخصية تحاول الخروج من النص لتعود إلى البداية. بداية الخلق الأول، والسر الكامن في كلمة: كن.

تطرح قصص الكتاب أسئلة كبرى: ما طبيعة الواقع؟ هل نحن شخصيات في نص أكبر؟ كيف تشكل الحكايات هويتنا؟ ما علاقة التراث بالحاضر؟ هل الحرية ممكنة؟ دون أن يفرض إجابات جاهزة.

رأي نقدي

في "الرحلة إلى جبل قاف" يتخذ أحجيوج مادة القص الأولية من المدونتين التراثية والأدبية ويمتاح منهما وقائع معينة يعيد تشكيلها في قصصه بما يفارق تشكيلاتها السابقة، ويمنح نفسه هامشاً واسعاً من التجريب فيقلب تلك التشكيلات رأساً على عقب أو يدمج تشكيلين في قصة واحدة، أو يعيد توزيع الأدوار على الشخوص القصصية، وبذلك يحرر المادة من تراثيتها أو عالميتها ويضفي عليها طابعاً حداثياً فيمنحها أبوته القصصية ويسجلها في بيان قيده القصصي.

سلمان زين الدين

"ما نسميه عالمنا هو نتاج فهمنا الخاطئ لما نراه. إنه نتاج وجهات نظرنا الجزئية، وليس الحقيقة."

قصص مجموعة الرحلة إلى جبل قاف

1.

الظهور الثاني لكتاب الرمل

قصة متعددة الطبقات تتداخل فيها مستويات السرد بشكل معقد. تبدأ بلقاء بورخيس الشاب في كامبردج 1968 مع نسخته المسنة القادمة من المستقبل (1986)، الذي يهديه كتاباً عنوانه "كتاب الرمل" - كتاباً سحرياً لا بداية له ولا نهاية، صفحاته لا تتكرر أبداً. ينتقل الكتاب عبر شخصيات متعددة (بورخيس، حسن ميرو، شهريار) ليجدوا أنفسهم جميعاً في قاع بئر، شخصيات في نص الدكتور موريس الذي ينتهي به الأمر محاصراً في اللعبة نفسها.

قصة بارعة في استخدام تقنية الميتافكشن (التخييل الذاتي)، تستلهم عالم بورخيس وألف ليلة وليلة لخلق متاهة نصية مدهشة. البناء السردي معقد لكنه محكم، والإشارات الأدبية غنية ومتنوعة. الفكرة المحورية عن الكتاب كمتاهة، وعن القراءة كفعل يغير الواقع، تُطرح بذكاء.

2.

نبوءة المجوس وحكاية عن تأويل الأحلام والقصة الحقيقية لقتل شهريار زوجته

إعادة كتابة جذرية لحكاية شهريار الأصلية من ألف ليلة وليلة. تبدأ القصة بملك يطلب من حاشيته تفسير حلم لم يخبرهم بتفاصيله، ثم تنتقل إلى قصة مجوسي يقترح حلاً شيطانياً لقتل الأطفال. ثم ننتقل إلى شهريار الذي يعاني من عجز جنسي، فيستدعي عشرة عبيد وعشر جواري لمواقعة زوجته أمامه عله يُشفى، لكنه يفشل فيقتلهم جميعاً. الحل يأتي من المجوسي: أن يأخذ كل ليلة زوجة ويقتلها صباحاً.

قصة قصيرة لكنها حادة كالسكين، تقلب الحكاية الأصلية رأساً على عقب بطريقة صادمة ومثيرة للتفكير. الكاتب يكشف عن الجوانب المظلمة والمسكوت عنها في القصة التراثية، ويطرح تفسيرات نفسية وسياسية مختلفة تماماً.

3.

مكر الأحلام

قصة تبدأ بالكاتب (احجيوج) يجد مقالاً في مجلة صدرت عام 1982 (تاريخ ميلاده) لكاتبه بورخيس يتحدث فيه عن قصة "مكر الأحلام" من كتاب "الرحلة إلى جبل قاف" - وهو الكتاب الذي لم يصدر إلا عام 2024! في المقال، يحلل بورخيس قصة "الحالمين" من ألف ليلة، ويرى أن الحكاية الأصلية تمجد التواكل. ثم يشرح كيف أن احجيوج في قصته قلب الحكاية لتكافئ الجدارة والجهد بدلاً من التواكل.

قصة فلسفية عميقة تتجاوز كونها مجرد إعادة كتابة لحكاية تراثية، لتصبح تأملاً في الثقافة والقيم. النقد الموجه للحكاية الأصلية حاد وصحيح. لكن الأذكى في القصة هو الإطار الميتافكشني: كيف يمكن لبورخيس أن يكتب عن كتاب صدر بعد 42 سنة من مقاله؟

4.

شهريار يحلم بالصياد الذي يحلم أنه شهريار

صياد فقير عائد خائب اليد من البحر يتعثر فيسقط، فيرى من خلال فجوة في الدغل صبية جميلة مقيدة بسلسلة إلى عفريت نائم. تغويه الصبية ويواقعها، وتريه كيساً سحرياً يحوي ألف خاتم من ألف رجل. لكن القصة تنحرف عن الحكاية الأصلية: زوجة الصياد توقظ العفريت غيرةً، فيقتل الصبية والزوجة، ويمنح الصياد أمنية: أن يصير سلطاناً لألف ليلة يتزوج كل ليلة ويقتل زوجته صباحاً. ثم يفتح الصياد عينيه ليجد نفسه شهريار.

قصة تلاعب بعبقرية طبقات الأحلام والواقع، تدمج بين حكايات من ألف ليلة وليلة لتفسر أصل جنون شهريار بطريقة مختلفة تماماً. البنية الدائرية رائعة: نبدأ مع صياد فقير وننتهي مع شهريار، ليتضح أن أحدهما يحلم الآخر. النهاية المفتوحة (هل هو حلم؟ من يحلم من؟) تترك القارئ في حيرة ممتعة.

5.

فلما جاء دور شهرزاد

قصة استفزازية تقلب حكاية شهرزاد رأساً على عقب. شهرزاد هنا ليست الحكّاءة الذكية التي تنقذ نفسها بمهارة السرد، بل فتاة مذعورة تحاول الهرب لكن يُقبض عليها. بعد أن يقضي شهريار وطره منها، تحاول إنقاذ نفسها بحكاية، لكن الملك يتثاءب من سذاجة ما ترويه ويستدعي السياف. القصة تأتي مع ثلاث ملاحق: مقال نسوي يمدحها، مقال ذكوري يمجدها، وجدل ساخر بين الناقدين يتصاعد إلى حد السخف.

قصة جريئة ومثيرة للجدل بامتياز. الجزء الأول صادم، لكن الملاحق الساخرة هي المفتاح الحقيقي لفهم القصة: الكاتب لا يقدم موقفاً أحادياً، بل يسخر من كلا القراءتين المتطرفتين (النسوية الراديكالية والذكورية السامة). هذا تعليق ذكي على نسبية القراءات وخطورة الإسقاطات الإيديولوجية.

6.

البحث عن إدمون عمران المالح

قصة بوليسية ميتافكشنية معقدة. رجل غامض (م.س.) يزور الراوي ويطلب منه البحث عن كاتب مغربي يهودي مجهول اسمه إدمون عمران المالح، الذي كتب رواية واحدة عام 1982 ثم اختفى. يعطيه حبة دواء تمنحه إتقاناً فورياً للفرنسية وبطاقة سحرية تنقله عبر باب حمام إلى باريس. يكتشف تدريجياً أن م.س. هو نسخته المستقبلية. ينتهي به الأمر في مستشفى مجانين في المغرب، يواصل الكتابة على أوراقه المتناثرة.

قصة طموحة ومعقدة تمزج الخيال العلمي بالميتافكشن بالبحث الأدبي. البنية متشظية ومتعمدة الفوضى، مما يعكس حالة الراوي الذهنية المضطربة. النهاية المفتوحة (هل هو مجنون يتخيل كل شيء؟ أم أن ما عاشه حقيقي؟) محيرة ومقصودة.

7.

الجنازة الثانية لابن رشد

قصة تاريخية تأملية تحكي الأيام الأخيرة لابن رشد. تبدأ بمشهد حلمي حيث ابن عربي يوقظ ابن رشد ليريه سقوط قرطبة في يد الفرنجة. ثم نعود إلى الماضي: محاكمة ابن رشد بتهمة الزندقة أمام الخليفة المنصور وفقهاء الأندلس. يُتلى الحكم بحرق كتبه ونفيه. نرى كيف أن الخليفة المنصور، بعد أن كان يدافع عن ابن رشد، يستسلم لضغط الفقهاء. وبعد سنوات، محاصراً في قرطبة المحتلة، يدرك الخليفة حجم خطئه بإقصاء العقل.

قصة قوية ومؤثرة تعيد قراءة لحظة تاريخية مفصلية في تاريخ الفكر الإسلامي. السرد متقن، ينتقل بين الأزمنة بسلاسة. الكاتب يربط بذكاء بين سقوط قرطبة الحضاري وسقوطها العسكري، ويضع المسؤولية على إقصاء العقل وتغليب الفقه السطحي. القصة تتجاوز التاريخ لتصبح تأملاً في الحاضر العربي.

8.

مدينة من زجاج

قصة قاتمة عن جواد، شاب منعزل، يخرج من جنازة صديقه الوحيد إدريس. في طريق عودته ليلاً، يشاهد امرأة تُغتصب من قاطعي طريق، لكنه يهرب خوفاً. يدخل مكتبة مفتوحة ليلاً ليجد رواية عنوانها "ليل طنجة" لكاتب يحمل الاسم نفسه الذي اختاره جواد كاسم مستعار (محمد سعيد احجيوج). جواد كان قد ترك بيت عائلته بعد فضيحة حمل أخته المراهقة، وعاش عزلة اختيارية، واختار لنفسه اسماً جديداً ليولد من جديد.

قصة نفسية عميقة عن العزلة، الهوية، والهروب. الأجواء قاتمة وكئيبة تعكس حالة جواد الذهنية. طنجة هنا ليست مدينة حقيقية بل حالة نفسية: باردة، زجاجية، مفككة. فكرة اختيار اسم جديد كوسيلة للتحرر من عبء الماضي والعائلة عميقة ومؤثرة، رغم وعي جواد بأنها وهم.

9.

الرحلة إلى جبل قاف

قصة ميتافكشنية جامحة تبدأ بالراوي (الكاتب نفسه) يحاول كتابة رواية عن جواد يستيقظ متحولاً كمسخ كافكا، لكنه يقرر تغيير الفكرة مراراً. جواد يستيقظ ليجد صبية من حلمه تقدم له رضيعاً تقول إنه ابنه. الرضيع يتكلم، فيرضعه جواد من ثديه. الكاتب يتدخل باستمرار ليعلق على صعوبة الكتابة. في النهاية، يدرك جواد أنه شخصية في رواية، فيحاول الخروج منها، لكنه يجد نفسه رضيعاً حديث الولادة - عاد إلى البداية في دورة لا نهائية.

قصة عبثية جامحة تكسر كل القواعد بمرح وجرأة. التدخلات الميتافكشنية من الكاتب مستمرة وصريحة. النهاية صادمة وعبقرية: جواد لم يخرج من الرواية، بل "ولد" داخلها فقط - عاد إلى البداية في دورة لا نهائية. هذه إشارة إلى فكرة العود الأبدي. القصة تسخر من الوهم بالحرية والإرادة.

❖ ❖ ❖
"لنكن حذرين، لنحرص على عدم الخلط بين الحكايات، لنتجنب التأثر بأوجه شبه مبهمة."

رأي نقدي

تشكل قصص احجيوج المتناصة مع "ألف ليلة وليلة" مساهمة مهمة في تطوير السرد العربي باتجاه ما بعد حداثي، وفي الآن نفسه يخاطب التراث برؤية نقدية وجدلية. إنها نصوص واعية بذاتها، تكشف عن بنيتها السردية بدلًا من إخفائها، وتطرح أسئلة فلسفية حول طبيعة الحكاية والحقيقة والخيال. في هذه النصوص، لا توجد حكايات بريئة، لا توجد نصوص شفافة تنقل الواقع كما هو؛ كل نص هو إعادة كتابة لنصوص سابقة، كل حكاية هي صدى لحكايات أخرى. بهذا المعنى، يمكن القول إن احجيوج لا يكتب "عن" ألف ليلة وليلة، بل يكتب "مع" ألف ليلة وليلة و"ضد" ألف ليلة وليلة في آن. إنه يستدعي التراث السردي العربي ليحاوره ويتحداه، ليكشف عن إمكانياته غير المستكشفة، وليبرهن على أن هذا التراث هو مادة حية قابلة لإعادة التشكيل والتفكيك وإعادة البناء. وفي هذا، تكمن أهمية مشروعه السردي وأصالته.

ابتسام المنصوري

الخلاصة

"الرحلة إلى جبل قاف" كتاب للقراء الجادين الباحثين عن تجربة أدبية غير تقليدية. إنه احتفاء بالأدب كفن يفكر في نفسه، وتحية للتراث السردي العربي مع إعادة قراءة جذرية له، ومغامرة في متاهات الواقع والخيال.

الكاتب محمد سعيد احجيوج صوت مهم ومتفرد في المشهد الأدبي العربي المعاصر. يستحق أن يُقرأ على نطاق أوسع، وأن يُدرس في الجامعات كنموذج للكتابة الما بعد حداثية العربية.

هذا الكتاب سيبقى في الذاكرة طويلاً، وسيستحق إعادة القراءة لاكتشاف طبقاته المتعددة. إنه رحلة فعلاً، لكن ليس إلى جبل قاف الأسطوري، بل إلى أعماق النص، اللغة، والوعي.

"الكاتب يتحول إلى قارئ، والقارئ يصبح بدوره كاتبًا، في تبادل للأدوار يعكس حركية العملية الإبداعية"